الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مصير درعا على المحك في ظل الضغوط الروسية وتصعيد النظام السوري والحسابات الجديدة؟ 

مصير درعا على المحك في ظل الضغوط الروسية وتصعيد النظام السوري والحسابات الجديدة؟ 

31.07.2021
هبة محمد


القدس العربي 
الخميس 29/7/2021 
دمشق – "القدس العربي": تجددت الاشتباكات،أمس الأربعاء، بين مقاتلين محليين من أهالي درعا البلد وقوات النظام السوري، جنوب سوريا، حيث تحاصر هذه الأخيرة نحو 11 ألف عائلة سورية، وذلك في أعقاب فشل جولة جديدة من المفاوضات بين ممثلين عن النظام من جهة، واللجنة المركزية لأهالي درعا البلد، من جهة أخرى، في التوصل إلى اتفاق وسط يجنب المنطقة خيار الحسم العسكري، بسبب تعنت النظام وإصراره على التوغل في المنطقة وسحب السلاح الفردي من الأهالي، بينما طالب المحاصرون في درعا البلد بتأمين مكان آمن ينزحون إليه. 
وقالت مصادر محلية لـ “القدس العربي” إن درعا شهدت الأربعاء اشتباكات عنيفة بين مقاتلين محليين وقوات النظام عند دوار الكازية في حي المنشية، وسط حركة مكثفة لطيران الاستطلاع، واستهداف قناصة النظام لأي تحرك في شوارع درعا البلد، وذلك وسط حركة نزوح غير مسبوقة منذ سيطرة النظام السوري وحلفائه على المحافظة في تموز 2018 بموجب اتفاق التسوية، نتيجة القصف العشوائي بالقذائف والمضادات الأرضية، من قبل قوات النظام للأحياء السكنية، لليوم الثاني على التوالي. 
الناشط الإعلامي عامر الحوراني المشرف على شبكة أخبار “تجمع أحرار حوران” قال إن المنطقة تمر بكارثة إنسانية في ظل الظروف الصعبة التي تواجهها العائلات، وغياب مقومات الحياة الإنسانية، وفقدان الأدوية وأصناف كثيرة من المواد الغذائية، وذلك بعد فشل المفاوضات بسبب إصرار “ضباط النظام على نشر حواجز عسكرية ومفارز أمنية في أحياء درعا البلد، الأمر الذي رفضته اللجان المركزية في المنطقة”. 
وأوضح المتحدث لـ “القدس العربي” أن “ما يقارب 600 عائلة نزحت، سيراً على الأقدام من درعا البلد إلى درعا المحطة عن طريق حاجز السرايا، الذي أغلق لاحقاً، مشيراً أن حركة النزوح لا تزال مستمرة إلى الآن، كونه الخيار الوحيد أمامهم، بعد أن أصبح المدنيون أحد أهداف النظام العشوائية، حيث يبقى خيار النزوح و التشرد أفضل من البقاء تحت رحمة مدفعيات النظام، في وضع لاإنساني على حد تعبيرهم” مشيراً إلى أن “معظم النازحين من النساء والأطفال”. 
تزامناً، أصدرت عشائر درعا البلد أمس، بياناً طالبت فيه بنقل جميع العائلات إلى مناطق آمنة وتهجيرهم من درعا البلد، وتسليمها للنظام السوري والميليشيات الإيرانية خالية من السكان إذا أراد ذلك، على ألا يتم تهجيرهم فرادى. 
 
أسباب التصعيد 
 
ويمكن تحديد أسباب أساسية دفعت روسيا لدعم فكرة حصار أحياء درعا التي تخضع فعلياً لسيطرة مقاتلي المعارضة السورية السابقين، وما هو تحدث عنه الباحث السياسي لدى مركز جسور للدراسات الاستراتيجية فراس فحام، حيث قال أحد أهم الأسباب هو تصاعد وتيرة العمليات الأمنية ضد النظام السوري ووكلاء إيران “فمنذ مطلع عام 2021 يمكن ملاحظة ازدياد العمليات الأمنية ضد عناصر النظام السوري ووكلاء إيران في الجنوب السوري، بالإضافة إلى ارتفاع الهجمات المباشرة ضد النقاط التابعة للنظام السوري في مختلف أنحاء محافظة درعا، واللافت أن العديد من الهجمات التي حصلت خلال الأشهر الماضية ضد مواقع للنظام السوري، أتت كردٍ على تحركات النظام أو استهدافه للمقاتلين السابقين في فصائل المعارضة، بما يعطي مؤشراً على تنامي حالة العصيان المسلح في درعا”. 
ووفقا للمتحدث لـ “القدس العربي”: فإن عودة الشعارات السياسية إلى الشارع في درعا هي سبب هام، حيث برزت خلال المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام السوري، والتي تركزت بشكل كبير في منطقة درعا البلد. وبلغت ذروة الاحتجاجات الشعبية والرفض لممارسات النظام السياسية في أواخر شهر أيار/مايو 2021، وذلك عن طريق التظاهرات المنددة بإجراء النظام السوري بدعم روسي للانتخابات الرئاسية، وقد تخلل تلك المظاهرات إضرابات عامة، ومنع بالقوة لفتح مراكز اقتراع في العديد من البلدات والمدن، الأمر الذي شكل إحراجاً سياسياً لموسكو، خاصة مع تسليط وسائل الإعلام الضوء على حالة الرفض الشعبي للعملية الانتخابية واعتبارها غير شرعية. 
وأبدى فحام اعتقاده أن روسيا لم تعد مرتاحة للنموذج السائد في الجنوب السوري، خاصة وأنه قد يتحول إلى حالة ملهمة لباقي مناطق التسويات، من حيث عودة النشاطات المناهضة لسيطرة النظام السوري، كما أنه يعطي انطباعاً للفاعلين المحليين والدوليين، بأن موسكو غير قادرة على ضبط الوضع الميداني في سوريا. 
 
الأسباب السياسية 
 
وحول الأسباب السياسية قال “من الواضح أن روسيا عادت للتماهي مع الخطوات الإيرانية في الجنوب السوري، فلم تعد تمانع توسع الميليشيات المدعومة إيرانياً من التحرك في درعا، حيث عززت الفرقة الرابعة من مواقعها خلال شهر تموز/ يوليو من العام الحالي”. وفي الخامس والعشرين من تموز/ يوليو 2021 أجرى وفد أمني روسي لقاءً مع وفد إيراني في مبنى فرع المخابرات الجوية بمحافظة درعا، وكان محور الاجتماع الأساسي تسهيل عودة العائلات المنتمية للمذهب الشيعي إلى مناطقهم في “بصرى الشام” شرق المحافظة بضمانة روسية، وطالب الوفد الإيراني خلال اللقاء بأن يتم إخراج مقاتلي التسويات الرافضين لعودة العائلات الشيعية من المناطق التي يسيطرون عليها. 
ومن المحتمل أن روسيا تريد وفق رؤية الباحث السياسي إعطاء بعض المكاسب لإيران في الجنوب السوري من أجل الحصول على مقابل في ملفات أخرى، كقبول مساهمة روسيا في صياغة الاتفاق النووي المرتقب بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وعلى الأرجح فإن هامش تحرك روسيا في ملف الجنوب السوري ازداد بعد رحيل حكومة “نتنياهو”، التي ارتبطت مع روسيا بتفاهمات حول المنطقة. وقد ازدادت المؤشرات التي تدل مؤخراً على توجه روسي جديد للتعاطي مع التحركات الإيرانية في سوريا، ورغبتها في ضبط الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية. 
 
سيناريوهات محتملة 
 
وتشير المعطيات الراهنة وفق رؤية الباحث السياسي إلى أن موسكو راغبة في تعديل الواقع الذي أفرزه اتفاق التسوية عام 2018 إلى وضع جديد مناسب لها، ويتماشى مع اعتباراتها الأمنية والسياسية. وتحدث فحام عن سيناريوهين أولهما فرض تسويات جديدة في درعا “من الممكن بموجبه أن يتم إنهاء الحصار بالكامل ووقف التصعيد الميداني في حال التوصل إلى تسويات جديدة في محافظة درعا مختلفة عما تم الاتفاق عليه عام 2018. وستحرص روسيا والنظام السوري على أن تضمن التسوية الجديدة تعزيز الانتشار العسكري والأمني في المناطق الخارجة بشكل فعلي عن السيطرة، بالإضافة إلى ضبط انتشار السلاح وحصره بيد القوى الأمنية التي ستتولى مهمة الشرطة المدنية”. 
ومن الممكن أن تنص التسوية الجديدة وفق المتحدث على إتاحة الفرصة للمقاتلين المحليين الانخراط في جهاز شرطة يتولى ضبط الأمن، لكن سيتم تطعيمه بعناصر تدين للنظام السوري بالولاء المطلق. ويعتبر هذا المسار هو الأرجح بسبب غياب قدرة المقاتلين المحليين على مجابهة حملة عسكرية واسعة، وفي ظل قبول بعض الفعاليات الشعبية لفكرة التسوية تجنباً للعمليات العسكرية. 
أما السيناريو الثاني فهو الخيار العسكري، حيث قال فحام إنه من المحتمل أن يلجأ النظام السوري إلى الخيار العسكري سواء ضد أحياء درعا، أو القرى والبلدات الأخرى التي ينتشر فيها المقاتلون المحليون، وذلك في حال تعثر عملية الوصول إلى تسوية جديدة ورفض المقاتلين المحليين انتشار قوات النظام السوري بدون مواجهات. 
وفي حال اتجهت روسيا والنظام السوري للخيار العسكري، فمن غير المتوقع وفق المتحدث أن تكون المواجهات طويلة المدى بسبب عدم توفر مقومات المواجهة لدى المقاتلين المحليين، وغياب المساندة الإقليمية التي توفر الدعم اللوجستي، لكن ستتبعه حملات اعتقالات وتصفيات ضد المناهضين للنظام السوري، مع غياب أي هوامش للمقاتلين المحليين حتى على صعيد المشاركة في الجهاز الأمني.